الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
(قوله: وينقضه خروج نجس منه) أي وينقض الوضوء خروج نجس من المتوضئ والنجس بفتحتين اصطلاحا عين النجاسة وبكسر الجيم ما لا يكون طاهرا وفي اللغة لا فرق بينهما كما في شرح الوقاية وظاهره أنه بالكسر أعم فيصح ضبطه في المختصر بالكسر والفتح كما لا يخفى والنقض في الجسم فك تأليفه وفي غيره إخراجه عن إفادة ما هو المقصود منه كاستباحة الصلاة في الوضوء وأفاد بقوله خروج نجس أن الناقض خروجه لا عينه وعلل له في الكافي بأن الخروج علة الانتقاض وهي عبارة عن المعنى وعلل شراح الهداية بأنها لو كانت نفسها ناقضة لما حصلت طهارة لشخص أصلا؛ لأن تحت كل جلدة دما لكن قال في فتح القدير الظاهر أن الناقض النجس الخارج وبينه بما حاصله أن الناقض هو المؤثر للنقض والضد هو المؤثر في رفع ضده وصفة النجاسة الرافعة للطهارة إنما هي قائمة بالخارج، فالعلة للنقض هي النجاسة بشرط الخروج وتأيد هذا بظاهر الحديث: «ما الحدث قال ما يخرج من السبيلين» فالعلة النجاسة، والخروج علة العلة، وإضافة الحكم إلى العلة أولى من إضافته إلى علة العلة فاندفع بهذا ما قالوا من لزوم عدم حصول طهارة لشخص على تقدير إضافة النقض إلى النجاسة إذ لا يلزم إلا لو قلنا بأن الخروج ليس شرطا في عمل العلة، ولا علة العلة وشمل كلامه جميع النواقض الحقيقية، وهو مجمل، وهو قسمان خارج من السبيلين وخارج من غيرهما فالأول ناقض مطلقا فتنقض الدودة الخارجة من الدبر والذكر والفرج كذا في الخانية، وفي السراج أنه بالإجماع فما في التبيين من أن الدودة الخارجة من فرجها على الخلاف ففيه نظر وعلل في البدائع يكون الدودة ناقضة أنها نجسة لتولدها من النجاسة وذكر الإسبيجابي أن فيها طريقتين إحداهما ما ذكرناه. والثانية أن الناقض ما عليها واختاره الزيلعي، وهو في الحصاة مسلم ولا يرد على المصنف الريح الخارجة من الذكر وفرج المرأة، فإنها لا تنقض الوضوء على الصحيح؛ لأن الخارج منهما اختلاج، وليس بريح خارجة، ولو سلم فليست بمنبعثة عن محل النجاسة والريح لا ينقض إلا لذلك لا؛ لأن عينها نجسة؛ لأن الصحيح أن عينها طاهرة حتى لو لبس سراويل مبتلة أو ابتل من أليتيه الموضع الذي يمر به الريح فخرج الريح لا يتنجس، وهو قول العامة وما نقل عن الحلواني من أنه كان لا يصلي بسراويله فورع منه كذا قالوا فاندفع بهذا ما ذكره مسكين في شرحه من أن كلام المصنف ليس على عمومه كما لا يخفى ودخل أيضا ما لو أدخل إصبعه في دبره و لم يغيبها، فإنه يعتبر فيه البلة والرائحة، وهو الصحيح؛ لأنه ليس بداخل من كل وجه كذا في شرح قاضي خان واستفيد منه أنه إذا غيبه نقض مطلقا، وكذا الذباب إذا طار ودخل في الدبر وخرج من غير بلة لا ينقض وكذا المحقنة إذا أدخلها ثم أخرجها إن لم يكن عليها بلة لا تنقض والأحوط أن يتوضأ كذا في منية المصلي وفي الخانية، وإذا أقطر في إحليله دهنا ثم عاد فلا وضوء عليه بخلاف ما إذا احتقن بدهن ثم عاد ا هـ. والفرق بينهما أن في الثاني اختلط الدهن بالنجاسة بخلاف الإحليل للحائل عند أبي حنيفة كذا في فتح القدير فعلى هذا فعدم النقض قوله فقط، وقد صرح به في المحيط فقال لا ينقض عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف والإحليل بكسر الهمزة مجرى البول من الذكر، وفي الولوالجية وكل شيء إذا غيبه ثم أخرجه أو خرج فعليه الوضوء، وقضاء الصوم؛ لأنه كان داخلا مطلقا فترتب عليه الخروج وكل شيء إذا أدخل بعضه وطرفه خارج لا ينقض الوضوء، وليس عليه قضاء الصوم؛ لأنه غير داخل مطلقا فلا يترتب عليه الخروج ا هـ. والكلية الثانية مقيدة بعدم البلة كما في المحيط وفي البدائع لو احتشت في الفرج الداخل ونفذت البلة إلى الجانب الآخر فإن كانت القطنة عالية أو محاذية لحرف الفرج كان حدثا لوجود الخروج، وإن كانت القطنة متسلفة عنه لا ينقض لعدم الخروج، وفي منية المصلي، وإن كانت احتشت في الفرج الخارج فابتل داخل الحشو انتقض نفذ ولم ينفذ في التبيين، وإن حشى إحليله بقطنة فخرجه بابتلال خارجه وفي الخانية المجبوب إذا خرج منه ما يشبه البول إن كان قادرا على إمساكه إن شاء أمسكه، وإن شاء أرسله، فهو بول ينقض الوضوء وإن كان لا يقدر على إمساكه لا ينقض ما لم يسل وفي فتح القدير والخنثى إذا تبين أنه امرأة فذكره كالجرح أو رجل ففرجه كالجرح وينقض في الآخر بالظهور لكن قال في التبيين: وأكثرهم على إيجاب الوضوء عليه فحاصله أن الخنثى ينتقض وضوءه بخروج البول من فرجيه جميعا سال أو لا تبين حالة أو لا وفي التوشيح يؤخذ في الخنثى المشكل بالأحوط، وهو النقض، وأما المفضاة، وهي التي صار مسلك البول والغائط منها واحدا أو التي صار مسلك بولها ووطئها واحدا فيستحب لها الوضوء من الريح ولا يجب؛ لأن اليقين لا يزول بالشك وعن محمد وجوبه، وبه أخذ أبو حفص للاحتياط ورجحه في فتح القدير بأن الغالب في الريح كونها من الدبر بل لا نسبة لكونها من القبل به، فيفيد غلبة ظن تقرب من اليقين، وهو خصوصا في موضع الاحتياط له حكم اليقين، فترجح الوجوب ا هـ. لكن ينبغي ترجيحه فيها بالمعنى الأول أما بالمعنى الثاني فلا؛ لأن الصحيح عدم النقض بالريح الخارجة من الفرج، وقوله في الهداية لاحتمال خروجه من الدبر يشير إلى المعنى الأول ولها حكمان آخران: الأول لو طلقت ثلاثا وتزوجت بآخر لا تحل للأول ما لم تحبل لاحتمال الوطء في الدبر الثاني و يحرم على زوجها جماعها إلا أن يمكنه إتيانها في قبلها من غير تعد كذا في فتح القدير وينبغي أن يختصا بها بالمعنى الأول وأما بالمعنى الثاني فلا كما يفيده التعليل المذكور، وإن كان بذكره شق له رأسان إحداهما يخرج منه ماء يسيل في مجرى الذكر والآخر في غيره ففي الأول ينقض بالظهور وفي الثاني بالسيلان وفي التوشيح باسور خرج من دبره، فإن عالجه بيده أو بخرقة حتى أدخله تنقض طهارته؛ لأنه يلتزق بيده شيء من النجاسة إلا إن عطس فدخل بنفسه وذكر الحلواني إن تيقن خروج الدبر تنتقض طهارته بخروج النجاسة من الباطن إلى الظاهر ويخرج على هذا لو خرج بعض الدودة فدخلت ا هـ. ثم الخروج في السبيلين يتحقق بالظهور، فلو نزل البول إلى قصبة الذكر لا ينقض، وإلى القلفة فيه خلاف، والصحيح النقض واستشكله الزيلعي هنا بأنهم قالوا لا يجب على الجنب إيصال الماء إليه؛ لأنه خلقه كقصبة الذكر. وأجاب في الغسل بأن الصحيح وجوب الإيصال على الجنب فلا إشكال لكن في فتح القدير الصحيح المعتمد عدم وجوب الإيصال في الغسل للحرج لا؛ لأنه خلقة، فلا يرد الإشكال واستدلوا لكون الخارج من السبيلين ناقضا مطلقا بقوله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} لأنه اسم للموضع المطمئن من الأرض يقصد للحاجة فالمجيء منه يكون لازما لقضاء الحاجة فأطلق اللازم، وهو المجيء منه وأريد الملزوم، وهو الحدث كناية كذا في غاية البيان والعناية وظاهر ما في فتح القدير أن اللازم خروج النجاسة والملزوم المجيء من الغائط، وإذا كان كناية عن اللازم فالحمل على أعم اللوازم أولى أخذا بالاحتياط في باب العبادات فكان جميع ما يخرج من بدن الإنسان من النجاسة ناقضا معتادا كان أو غير معتاد، فكان حجة على مالك وتعقبه في فتح القدير بأنه إنما يصح على إرادة أعم اللوازم للمجيء والخارج النجس مطلقا ليس منه للعلم بأن الغائط لا يقصد قط للريح فضلا عن جرح إبرة ونحوه فالأولى كونه فيما يحله ويستدل على الريح بالإجماع وعلى غيره بالخبر وهو ما رواه الدارقطني: «الوضوء مما خرج وليس مما دخل» لكنه ضعيف(قوله: صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: توضئي لوقت كل صلاة) ا هـ. ولا يخفى أن المشايخ إنما استدلوا بالآية على مالك في نفيه ناقضية غير المعتاد من السبيلين، ولم يستدلوا بها على الخارج من غيرهما، والقياس أيضا حجة على مالك، فالأصل الخارج النجس من السبيلين على وجه الاعتياد والفرع ما خرج منهما إلا على وجه الاعتياد، وأما الخارج من غير السبيلين، فناقض بشرط أن يصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير كذا قالوا ومرادهم أن يتجاوز إلى موضع تجب طهارته أو تندب من بدن وثوب ومكان، وإنما فسرنا الحكم بالأعم من الواجب والمندوب؛ لأن ما اشتد من الأنف لا تجب طهارته أصلا بل تندب لما أن المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم مسنونة وأن حدها أن يأخذ الماء بمنخريه يصعد إلى ما اشتد من الأنف وقد صرح في معراج الدراية وغيره بأنه إذا نزل الدم إلى قصبة الأنف نقض وفي البدائع إذا نزل الدم إلى صماخ الأذن يكون حدثا وفي الصحاح صماخ الأذن خرقها، وليس ذلك إلا لكونه يندب تطهيره في الغسل ونحوه وكذا إذا افتصد وخرج دم كثير وسال بحيث لم يتلطخ رأس الجرح، فإنه ينقض الوضوء لكونه وصل إلى ثوب أو مكان يلحقهما حكم التطهير فتنبه لهذا فإنه يدفع كلام كثير من الشارحين؛ ولذا قال في فتح القدير لو خرج من جرح في العين دم فسال إلى الجانب الآخر منها لا ينقض؛ لأنه لا يلحقه حكم هو وجوب التطهير أو ندبه فقول بعضهم المراد أن يصل إلى موضع تجب طهارته محمول على أن المراد بالوجوب الثبوت وقول الحدادي إذا نزل الدم إلى قصبة الأنف لا ينقض محمول على أنه لم يصل إلى ما يسن إيصال الماء إليه في الاستنشاق فهو في حكم الباطن حينئذ توفيقا بين العبارات وقول من قال إذا نزل الدم إلى ما لان من الأنف نقض لا يقتضي عدم النقض إذا وصل إلى ما اشتد منه لا بالمفهوم، والصريح بخلافه، وقد أوضحه في غاية البيان والعناية والمراد بالوصول المذكور سيلانه واختلف في حده ففي المحيط حده أن يعلو وينحدر عن أبي يوسف وعن محمد إذا انتفخ على رأس الجرح، وصار أكبر من رأسه نقض والصحيح الأول وفي الدراية جعل قول محمد أصح واختاره السرخسي وفي فتح القدير أنه الأولى، وفي مبسوط شيخ الإسلام تورم رأس الجرح فظهر به قيح ونحوه لا ينقض ما لم يجاوز الورم؛ لأنه لا يجب غسل موضع الورم فلم يتجاوزه إلى موضع يلحقه التطهير ثم الجرح والنفطة وماء السرة والثدي والأذن والعين إذا كان لعلة سواء على الأصح وعن الحسن أن ماء النفطة لا ينقض قال الحلواني وفيه توسعة لمن به جرب أو جدري كذا في المعراج وفي التبيين والقيح الخارج من الأذن أو الصديد إن كان بدون الوجع لا ينقض، ومع الوجع ينقض؛ لأنه دليل الجرح روي ذلك عن الحلواني ا هـ. وفيه نظر بل الظاهر إذا كان الخارج قيحا أو صديدا ينقض سواء كان مع وجع أو بدونه؛ لأنهما لا يخرجان إلا عن علة نعم هذا التفصيل حسن فيما إذا كان الخارج ماء ليس غير وفيه أيضا، ولو كان في عينيه رمد أو عمش يسيل منهما الدموع قالوا يؤمر بالوضوء لوقت كل صلاة لاحتمال أن يكون صديدا أو قيحا ا هـ وهذا التعليل يقتضي أنه أمر استحباب، فإن الشك والاحتمال في كونه ناقضا لا يوجب الحكم بالنقض إذ اليقين لا يزول بالشك نعم إذا علم من طريق غلبة الظن بإخبار الأطباء أو بعلامات تغلب على ظن المبتلى يجب، ولو كان الدم في الجرح فأخذه بخرقة أو أكله الذباب فازداد في مكانه، فإن كان بحيث يزيد ويسيل لو لم يأخذه بنفسه بطل وضوءه، وإلا فلا وكذلك إذا ألقي عليه تراب أو رماد ثم ظهر ثانيا وتربه ثم وثم فهو كذلك يجمع كله قال في الذخيرة قالوا، وإنما يجمع إذا كان في مجلس واحد مرة بعد أخرى أما إذا كان في مجالس مختلفة لا يجمع، ولو ربط الجرح فنفذت البلة إلى ضاق لا إلى الخارج نقض قال في فتح القدير ويجب أن يكون معناه إذا كان بحيث لولا الرباط سال؛ لأن القميص لو تردد على الجرح فابتل لا ينجس ما لم يكن كذلك؛ لأنه ليس بحدث وفي المحيط مص القراد فامتلأ إن كان صغيرا لا ينقض كما لو مص الذباب وإن كان كبيرا نقض كمص العلقة ا هـ. وعللوه بأن الدم في الكبير يكون سائلا قالوا ولا ينقض ما ظهر من موضعه ولم يرتق كالنفطة إذا قشرت ولا ما ارتقى عن موضعه ولم يسل كالدم المرتقي من مغرز الإبرة. والحاصل في الخلال من الأسنان، وفي الخبز من العض وفي الإصبع من إدخاله في الأنف وفي منية المصلي، ولو استنثر فسقطت من أنفه كتلة دم لم تنقض وضوءه، وإن قطرت قطرة دم انتقض ا هـ. وأما ما سال بعصر، وكان بحيث لو لم يعصر لم يسل قالوا لا ينقض؛ لأنه ليس بخارج، وإنما هو مخرج، وهو مختار صاحب الهداية وقال شمس الأئمة ينقض، وهو حدث عمد عنده، وهو الأصح كذا في فتح القدير معزيا إلى الكافي؛ لأنه لا تأثير يظهر للإخراج وعدمه في هذا الحكم بل لكونه خارجا نجسا وذلك يتحقق مع الإخراج كما يتحقق مع عدمه، فصار كالفصد كيف وجميع الأدلة الموردة من السنة والقياس يفيد تعليق النقض بالخارج النجس، وهو ثابت في المخرج ا هـ. وضعفه في العناية بأن الإخراج ليس بمنصوص عليه، وإن كان يستلزمه فكان ثبوته غير قصدي ولا معتبر به ا هـ. وهذا كله مذهبنا واستدلوا له بأحاديث ضعفها في فتح القدير وأحسن ما يستدل به حديث فاطمة والقياس، وأما الأول فما رواه البخاري عن عائشة: «جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم» قال هشام بن عروة قال أبي ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت وما قيل إنه من كلام عروة دفع بأنه خلاف الظاهر؛ لأنه لما كان على مشاكلة الأول لزم كونه من قائل الأول فكان حجة لنا؛ لأنه علل وجوب الوضوء بأنه دم عرق وكل الدماء كذلك، وأما القياس فبيانه أن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة شرعا، وقد عقل في الأصل، وهو الخارج من السبيلين أن زوال الطهارة عنده، وهو الحكم إنما هو بسبب أنه نجس خارج من البدن إذا لم يظهر لكونه من خصوص السبيلين تأثير، وقد وجد في الخارج من غيرهما وفيه المناط فيتعدى الحكم إليه، فالأصل الخارج من السبيلين وحكمه زوال الطهارة وعلته خروج النجاسة من البدن وخصوص المحل ملغى والفرع الخارج النجس من غيرهما، وفيه المناط فيتعدى إليه زوال الطهارة التي موجبها الوضوء فثبت أن موجب هذا القياس ثبوت زوال طهارة الوضوء، وإذا صار زائل الطهارة فعند إرادة الصلاة يتوجه عليه خطاب الوضوء، وهو تطهير الأعضاء الأربعة وإذا صار خروج النجاسة من غير السبيلين كخروجها من السبيلين يرد أن يقال لما اشترطتم في الفرع السيلان أو ملء الفم في القيء مع عدم اشتراطه في الأصل فأجيب بأن النقض بالخروج وحقيقته من الباطن إلى الظاهر وذلك بالظهور في السبيلين يتحقق وفي غيرهما بالسيلان إلى موضع يلحقه التطهير؛ لأن بزوال القشرة تظهر النجاسة في محلها، فتكون بادية لا خارجة والفم ظاهر من وجه باطن من وجه فاعتبر ظاهرا في ملء الفم باطنا فيما دونه. (قوله: وقيء ملأ فاه) أي وينقضه قيء ملأ فم المتوضئ أفرده بالذكر، وإن كان داخلا في الأول لمخالفته في حد الخروج كذا في التبيين، وإنما لم يفرد الخارج من غير السبيلين مع مخالفته للخارج منهما كما في الوافي لما أن السيلان مستفاد من الخروج كما قدمناه بخلاف ملء الفم وقد تقدم الدليل لمذهبنا، وهو مذهب العشرة المبشرين بالجنة ومن تابعهم واختلف في حد ملء الفم فصحح في المعراج وغيره أنه ما لا يمكن إمساكه إلا بكلفة وصحح في الينابيع أنه ما لا يقدر على إمساكه، ووجهه أن النجس حينئذ يخرج ظاهرا؛ لأن هذا القيء ليس إلا من قعر المعدة فالظاهر أنه مستصحب للجنس بخلاف القليل، فإنه من أعلى المعدة فلا يستصحبه؛ ولأن للفم بطونا معتبرا شرعا حتى لو ابتلع الصائم ريقه لا يفسد صومه كما لو انتقلت النجاسة من محل إلى آخر في الجوف وظهورا حتى لا يفسد الصوم بإدخال الماء فيه فراعينا الشبهين فلا ينقض القليل ملاحظة للبطون، وينقض الكثير للآخر الخروج النجس ظاهرا. (قوله: ولو مرة أو علقا أو طعاما أو ماء) بيان لعدم الفرق بين أنواع القيء، والعلق ما اشتدت حمرته وجمد أطلق في الطعام والماء قال الحسن إذا تناول طعاما أو ماء ثم قاء من ساعته لا ينقض؛ لأنه طاهر حيث لم يستحل وإنما اتصل به قليل القيء فلا يكون حدثا فلا يكون نجسا وكذا الصبي إذا ارتضع وقاء من ساعته وصححه في المعراج وغيره ومحل الاختلاف ما إذا وصل إلى معدته ولم يستقر أما لو قاء قبل الوصول إليها، وهو في المريء، فإنه لا ينقض اتفاقا كما ذكره الزاهدي وفي فتح القدير لو قاء دودا كثيرا أو حية ملأت فاه لا ينقض؛ لأن ما يتصل به قليل، وهو غير ناقض ا هـ. وقد يقال ينبغي على قول من حكم بنجاسة الدود أن ينقض إذا ملأ الفم. (قوله: لا بلغما) عطف على مرة أي لا ينقضه بلغم أطلقه فشمل ما إذا كان من الرأس أو من الجوف ملأ الفم أو لا مخلوطا بطعام أو لا إلا إذا كان الطعام ملء الفم، وعند أبي يوسف ينقض المرتقي من الجوف إن ملأ الفم كسائر أنواع القيء؛ لأنه يتنجس في المعدة بالمجاورة بخلاف النازل من الرأس، فإنها ليست محل النجاسة ولهما أنه لزج صقيل لا يتداخله أجزاء النجاسة، فصار كالبزاق، وما يتصل به من القيء قليل ولا يرد ما إذا وقع البلغم في النجاسة، فإنه يحكم بنجاسته؛ لأن كلامنا فيما إذا كان في الباطن وأما إذا انفصل قلت ثخانته وازدادت رقته فقبلها هكذا في كثير من الكتب، وهو ظاهر في أن البلغم ليس نجسا اتفاقا، وإنما نجسه أبو يوسف للمجاورة، وهما حكما بطهارته، وأن الخلاف في الصاعد من المعدة فاندفع به قول من قال إن البلغم نجس عند أبي يوسف؛ لأنه إحدى الطبائع الأربع حتى قال في الخلاصة إن من صلى ومعه خرقة المخاط لا تجوز صلاته عند أبي يوسف إن كان كثيرا فاحشا إذ لو كان كذلك لاستوى النازل من الرأس والمرتقي من الجوف، وقد قالوا لا خلاف في طهارة الأول واندفع به ما في البدائع أنه لا خلاف في المسألة في الحقيقة بأن جواب أبي يوسف في الصاعد من المعدة، وأنه حدث بالإجماع؛ لأنه نجس وجوابهما في الصاعد من حواشي الخلق وأطراف الرئة وأنه ليس بحدث إجماعا لأنه ظاهر فينظر إن كان صافيا غير مخلوط بالطعام تبين أنه لم يصعد من المعدة فلا يكون حدثا، وإن كان مخلوطا بشيء من ذلك تبين أنه صعد منها، فيكون حدثا وهذا هو الأصح ا هـ. ويدل على ضعفه أن المنقول في الكتب المعتمدة أن البلغم إذا كان مخلوطا بالطعام لا ينقض إلا إذا كان الطعام غالبا بحيث لو انفرد ملأ الفم أما إذا كان الطعام مغلوبا فلا ينقض مع تحقق كونه من المعدة قال في الخلاصة: فإن استويا لا ينقض وفي صلاة المحسن قال العبرة للغالب، ولو استويا يعتبر كل على حدة قال في فتح القدير وعجز هذا أولى من عجز ما في الخلاصة وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان الخلاف في البلغم، وهو ما كان منعقدا متجمدا أما البزاق، وهو ما لا يكون متجمدا فلا ينقض بالإجماع وذكر العلامة يعقوب باشا أن في قولهما إن ما يتصل بالبلغم من القيء قليل، وهو غير ناقض إشارة إلى أنه ينبغي أن ينتقض الوضوء بقيء البلغم إذا تكرر جدا مع اتحاد المجلس أو السبب ويبلغ بالجمع حد الكثرة ا هـ. وقد يقال الظاهر عدم اعتباره؛ لأنه إنما يجمع إذا كان غير مستهلك أما إذا كان مغلوبا مستهلكا فلا وصرحوا في باب الأنجاس أن نجاسة القيء مغلظة وفي معراج الدراية وعن أبي حنيفة قاء طعاما أو ماء فأصاب إنسانا شبرا في شبر لا يمنع، وفي المجتبى الأصح أنه لا يمنع ما لم يفحش. ا هـ. وهو صريح في أن نجاسته مخففة وحمله في فتح القدير على ما إذا قاء من ساعته، وهو غير صحيح؛ لأنه حينئذ طاهر كما قدمنا أنه غير ناقض وألحقوا بالقيء ماء فم النائم إذا صعد من الجوف بأن كان أصفر أو منتنا، وهو مختار أبي نصر وصحح في الخلاصة طهارته وعند أبي يوسف نجس، ولو نزل من الرأس فظاهر اتفاقا وفي التجنيس أنه طاهر كيفما كان وعليه الفتوى. (قوله: أو دما غلب عليه البصاق) معطوفا على البلغم أي لا ينتقض الدم الخارج من الفم المغلوب بالبصاق؛ لأن الحكم للغالب فصار كأنه كله بزاق قيد بغلبة البزاق؛ لأنه لو كان مغلوبا والدم غالب نقض؛ لأنه سال بقوة نفسه، وإن استويا نقض أيضا لاحتمال سيلانه بنفسه أو أساله غيره فوجد الحدث من وجه فرجحنا جانب الوجود احتياطا بخلاف ما إذا شك في الحدث؛ لأنه لم يوجد إلا مجرد الشك ولا عبرة له مع اليقين كذا في المحيط قالوا علامة كون الدم غالبا أو مساويا أن يكون أحمر وعلامة كونه مغلوبا أن يكون أصفر وقيدنا بكونه خارجا من الفم إلخ؛ لأنه لو كان صاعدا من الجوف مائعا غير مخلوط بشيء فعند محمد ينقض إن ملأ الفم كسائر أنواع القيء وعندهما إن سال بقوة نفسه نقض الوضوء، وإن كان قليلا؛ لأن المعدة ليست بمحل الدم فيكون من قرحة في الجوف كذا في الهداية واختلف التصحيح فصحح في البدائع قولهما قال وبه أخذ عامة المشايخ وقال الزيلعي: إنه المختار وصحح في المحيط محمد وكذا في السراج معزيا إلى الوجيز، ولو كان مائعا نازلا من الرأس نقض قل أو كثر بإجماع أصحابنا، ولو كان علقا متجمدا يعتبر فيه ملء الفم بالاتفاق؛ لأنه سوداء محترقة وأما الصاعد من الجوف المختلط بالبزاق فحكمه ما بيناه في الخارج من الفم المختلط بالبزاق لا فرق في المخلوط بالبزاق بين كونه من الفم أو الجوف، وهو ظاهر إطلاق الشارحين كصاحب المعراج وغاية البيان وجامع قاضي خان والكافي والينابيع والمضمرات وصرح بعدم الفرق في شرح مسكين ونقل ابن الملك في شرحه على الجمع أن الدم الصاعد من الجوف إذا غلبه البزاق لا ينقض اتفاقا وظاهر كلام الزيلعي أن الدم الصاعد من الجوف المختلط بالبزاق ينقض قليله وكثيره على المختار ولا يخفى عدم صحته لمخالفته المنقول مع عدم تعقل فرق بين الخارج من الفم والخارج من الجوف المختلطين بالبزاق وقد استفيد مما ذكروا هنا أن ما خرج من المعدة لا ينقض ما لم يملأ الفم وما لم يخرج منها كالدم ينقض قليله وكثيره إذا وصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير وإنما كان كذلك؛ لأن الفم له تعلق بالمعدة من حيث إن وصول الطعام إليها منه فكان منها لاتصاله بها فيجوز أن يلحق بها في حق ما يخرج منها إذا كان قليلا بخلاف الدم؛ لأن المعدة ليست بموضعه ولا ضرورة في حكم الدم فيكون له حكم الطاهر من كل وجه كذا في معراج الدراية وفي شرح النقاية، ولو كان في البزاق عروق الدم فهو عفو وفي السراج الوهاج وإن استعط فخرج السعوط إلى الفم إن ملأ الفم نقض وإن خرج من الأذنين لا ينقض وفيه تأمل وحمله بعضهم على أنه وصل إلى الجوف في المسألة الأولى ثم خرج، وإلا فهو لم يصل إلى موضع النجاسة لكن في البدائع خلاف في النقض في المسألة الأولى ووجهه القول بالنقض بما ذكرنا وقال السراج الهندي: علامة كونه وصل إلى الجوف أن يتغير والتغير أن يستحيل إلى نتن وفساد فحينئذ يكون نجسا والبزاق بالزاي والسين والصاد لغات كما في شرح المنية. واعلم أن حكم الصوم كحكم الوضوء هنا حتى إذا ابتلع البصاق وفيه دم إن كان الدم غالبا أو كانا سواء أفطر، وإلا فلا. (قوله: والسبب يجمع متفرقه) أي متفرق القيء وصورته لو قاء مرارا كل مرة دون ملء الفم، ولو جمع ملأ الفم يجمع وينقض الوضوء إن اتحد السبب، وهو الغثيان، وهو مصدر غثت نفسه إذا جاشت، وإن اختلف السبب لا يجمع وتفسير اتحاده أن يقيء ثانيا قبل سكون النفس من الغثيان وإن قاء ثانيا بعد سكون النفس كان مختلفا، وهذا عند محمد وقال أبو يوسف: يجمع إن اتحد المجلس يعني اتحاد ما يحتوي عليه المجلس كما ذكره الحدادي؛ لأن للمجلس أثرا في جمع المتفرقات؛ ولهذا تتحد الأقوال المتفرقة في النكاح والبيع وسائر العقود باتحاد المجلس وكذلك التلاوات المتعددة لآية السجدة تتحد باتحاد المجلس ولمحمد رحمه الله أن الحكم يثبت على حسب ثبوت السبب من الصحة والفساد فيتحد باتحاده ألا ترى أنه إذا جرح جراحات ومات منها قبل البرء يتحد الموجب، وإن تخلل البرء اختلف قال المصنف في الكافي: والأصح قول محمد؛ لأن الأصل إضافة الأحكام إلى الأسباب، وإنما ترك في بعض الصور للضروة كما في سجدة التلاوة إذ لو اعتبر السبب لانتفى التداخل؛ لأن كل تلاوة سبب وفي الأقارير اعتبر المجلس للعرف وفي الإيجاب والقبول لدفع الضرر ا هـ. ثم هذه المسألة على أربعة أوجه: إما أن يتحد السبب والمجلس أو يتعدد أو يتحد الأول دون الثاني أو على العكس ففي الأول يجمع اتفاقا وفي الثاني لا يجمع اتفاقا وفي الثالث يجمع عند محمد وفي الرابع يجمع عند أبي يوسف وقد نقلوا في كتاب الغصب مسألة اعتبر فيها محمد المجلس وأبو يوسف اعتبر السبب، وهي رجل نزع خاتما من إصبع نائم ثم أعادها إن أعادها في ذلك النوم يبرأ من الضمان إجماعا وإن استيقظ قبل أن يعيدها ثم نام في موضعه ولم يقم منه فأعادها في النومة الثانية لا يبرأ من الضمان عند أبي يوسف؛ لأنه لما انتبه وجب ردها إليه فلما لم يردها إليه حتى نام لم يبرأ بالرد إليه، وهو نائم بخلاف الأولى؛ لأن هناك وجب الرد إلى نائم وهنا لما استيقظ وجب الرد إلى مستيقظ فلا يبرأ بالرد إلى النائم وعند محمد يبرأ؛ لأنه ما دام في مجلسه ذلك لا ضمان عليه وإن تكرر نومه ويقظته، فإن قام عن مجلسه ذلك ولم يردها إليه ثم نام في موضع آخر فردها إليه لم يبرأ من الضمان إجماعا لاختلاف المجلس والسبب كذا في السراج الوهاج معزيا إلى الواقعات ولم يذكر لأبي حنيفة فيها قولا وقال قاضي خان في فتاويه: من الغصب ولم يذكر في هذه المسائل قول أبي حنيفة، فإن الصحيح من مذهبه أنه لا يضمن إلا بالتحويل ا هـ. والذي يظهر أن الخلاف في مسألة الغصب ليس بناء على اتحاد السبب أو المجلس، فإن النوم ليس سببا في براءته بل السبب فيها إنما هو رده إلى صاحبه لكن أبو يوسف نظر إلى أنه لما أخذه، وهو نائم ثم استيقظ وجب الرد إليه، وهو مستيقظ فلما لم يرده حتى نام ثانيا يبرأ ومحمد نظر إلى أنه ما دام في مجلسه لم يضمن، وقد تكرر لفظ المعدة فلا بأس بضبطها، وهي بفتح الميم وكسر العين وبكسر الميم وإسكان العين كذا في شرح المهذب. (قوله: ونوم مضطجع ومتورك) بيان للنواقض الحكمية بعد الحقيقية والنوم فترة طبيعية تحدث في الإنسان بلا اختيار منه وتمنع الحواس الظاهرة والباطنة عن العمل مع سلامتها واستعمال العقل مع قيامه فيعجز العبد عن أداء الحقوق وللعلماء في النوم طريقتان ذكرهما في المبسوط وتبعه شراح الهداية إحداهما أن النوم ليس بناقض إنما الناقض ما لا يخلو عنه النائم فأقيم السبب الظاهر مقامه كما في السفر وكما إذا دخل الكنيف وشك في وضوئه، فإنه ينتقض وضوءه لجريان العادة عند الدخول في الخلاء بالتبرز. الثانية: أن عينه ناقض وصحح في السراج الوهاج الأول فاختاره الزيلعي مقتصرا عليه؛ لأنه لو كان ناقضا لاستوى وجوده في الصلاة وخارجها فما في التوشيح من أن عينه ليس بناقض اتفاقا فيه نظر، ولما كان النوم مظنة الحدث أدير الحكم على ما يتحقق معه الاسترخاء على الكمال، وهو في المضطجع والاضطجاع وضع الجنب على الأرض يقال ضجع الرجل إذا وضع جنبه بالأرض واضطجع مثله كذا في الصحاح ويلحق به المستلقي على قفاه والنائم المستلقي على وجهه وأما من نام واضعا أليتيه على عقبيه وصار شبه المنكب على وجهه واضعا بطنه على فخذيه لا ينتقض وضوءه كذا في النهاية والمعراج وعزاه في فتح القدير إلى الذخيرة ثم قال: وفي غيرها لو نام متربعا ورأسه على فخذيه نقض، وهذا يخالف ما في الذخيرة ا هـ. وفي المحيط لو نام قاعدا واضعا أليتيه على عقبيه شبه المنكب قال محمد عليه الوضوء وقال أبو يوسف: لا وضوء عليه، وهو الأصح ا هـ. فأفاد أن في المسألة اختلافا بين الصاحبين وأن ما في النهاية وغيرها هو الأصح أطلق في المضطجع فشمل المريض إذا نام في صلاته مضطجعا وفيه خلاف والصحيح النقض وقيل لا؛ لأن نومه قاعدا كنوم الصحيح قائما، وأما التورك فلفظ مشترك، فإن كان بمعنى أن جلسته تكشف عن المخرج كما إذا نام على أحد وركيه أو معتمدا على أحد مرفقيه فهذا ناقض، وهو مراد المصنف بدليل ما علل به في الكافي وإن كان بمعنى أن يبسط قدميه من جانب ويلصق أليتيه بالأرض فهذا غير ناقض كما في الخلاصة ولم يذكر المصنف الاستناد إلى شيء لو أزيل عنه لسقط؛ لأنه لا ينقض في ظاهر المذهب عن أبي حنيفة إذا لم تكن مقعدته زائلة عن الأرض كما في الخلاصة وبه أخذ عامة المشايخ، وهو الأصح كما في البدائع، وإن كان مختار القدوري النقض، وأما إذا كانت مقعدته زائلة، فإنه ينقض اتفاقا، وهو بمعنى التورك فلذا تركه وفي الخلاصة، ولو نام على رأس التنور وهو جالس قد أدلى رجليه كان حدثا وفي المبتغى، ولو نام محتبيا ورأسه على ركبتيه لا ينقض وفي المحيط لو نام على دابة، وهي عريانة قالوا إن كان في حالة الصعود والاستواء لا يكون حدثا، وإن كان في حالة الهبوط يكون حدثا؛ لأن مقعدته متجافية عن ظهر الدابة ا هـ. وفي هذه المواضع التي يكون فيها حدثا فهو بمعنى التورك فلم يخرج عن كلام المصنف وقيد المصنف بنوم المضطجع والمتورك؛ لأنه لا ينقض نوم القائم ولا القاعد، ولو في السراج أو المحمل كما في الخلاصة ولا الراكع ولا الساجد مطلقا إن كان في الصلاة وإن كان خارجها فكذلك إلا في السجود، فإنه يشترط أن يكون على الهيئة المسنونة له بأن يكون رافعا بطنه عن فخذيه مجافيا عضديه عن جنبيه، وإن سجد على غير هذه الهيئة انتقض وضوءه؛ لأن في الوجه الأول الاستمساك باق والاستطلاق منعدم بخلافه في الوجه الثاني، وهذا هو القياس في الصلاة إلا أنا تركناه فيها بالنص كذا في البدائع وصرح الزيلعي بأنه الأصح وسجدة التلاوة وفي هذا كالصلبية وكذا سجدة الشكر عند محمد خلافا لأبي حنيفة كذا في فتح القدير وكذا في سجدتي السهو كذا في الخلاصة وأطلق في الهداية الصلاة فشمل ما كان عن تعمد وما كان عن غلبة وعن أبي يوسف إذا تعمد النوم في الصلاة نقض والمختار الأول وفي فصل ما يفسد الصلاة من فتاوى قاضي خان لو نام في ركوعه أو سجوده إن لم يتعمد لا تفسد، وإن تعمد فسدت في السجود دون الركوع ا هـ. كأنه مبني على قيام المسكة حينئذ في الركوع دون السجود ومقتضى النظر أن يفصل في ذلك السجود إن كان متجافيا لا تفسد، وإلا تفسد كذا في فتح القدير وقد يقال مقتضى الأصح المتقدم أن لا ينتقض بالنوم في السجود مطلقا وينبغي حمل ما في الخانية على رواية أبي يوسف وفي جامع الفقه أن النوم في الركوع والسجود لا ينقض الوضوء، ولو تعمده ولكن تفسد صلاته كذا في شرح منظومة ابن وهبان وفي الخلاصة لو نام قاعدا فسقط على الأرض عن أبي حنيفة أنه إن انتبه قبل أن يصيب جنبه الأرض أو عند إصابة جنبه الأرض بلا فصل لم ينتقض وضوءه وعن أبي يوسف أنه ينتقض وعن محمد أنه إن انتبه قبل أن تزايل مقعدته الأرض لم تنقض وضوءه، وإن زايل مقعدته الأرض قبل أن ينتبه انتقض والفتوى على رواية أبي حنيفة قال شمس الأئمة الحلواني: ظاهر المذهب عن أبي حنيفة كما روي عن محمد قيل هو المعتمد وسواء سقط أو لم يسقط وإن نام جالسا، وهو يتمايل ربما تزول مقعدته عن الأرض وربما لا تزول قال شمس الأئمة الحلواني: ظاهر المذهب أنه لا يكون حدثا، ولو وضع يده على الأرض فاستيقظ لا ينتقض الوضوء سواء وضع بطن الكف أو ظهر الكف ما لم يضع جنبه على الأرض قبل التيقظ ا هـ. وقيدنا بالنوم؛ لأن النعاس مضطجعا لا ذكر له في المذهب والظاهر أنه ليس بحدث وقال أبو علي الدقاق وأبو علي الرازي: إن كان لا يفهم عامة ما قيل عنده كان حدثا كذا في شروح الهداية وبهذا تبين أن ما في التبيين على قول الشيخين لا على الظاهر وعليه يحمل ما في سنن البزار بإسناد صحيح كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة، فإن النوم مضطجعا ناقض إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم صرح في القنية بأنه من خصوصياته؛ ولهذا ورد في الصحيحين: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ» لما ورد في حديث آخر: «إن عيني تنامان ولا ينام قلبي» ولا يشكل عليه ما ورد في الصحيح من: (أنه نام ليلة التعريس حتى طلعت الشمس)؛ لأن القلب يقظان يحس بالحدث وغيره مما يتعلق بالبدن ويشعر به القلب، وليس طلوع الفجر والشمس من ذلك ولا هو مما يدرك بالقلب وإنما يدرك بالعين، وهي نائمة، وهذا هو المشهور في كتب المحدثين والفقهاء كذا في شرح المهذب. (قوله: وإغماء وجنون) أي وينقضه إغماء وجنون أما الإغماء فهو ضرب من المرض يضعف القوى ولا يزيل الحجا أي العقل بل يستره بخلاف الجنون، فإنه يزيله؛ ولذا لم يعصم النبي صلى الله عليه وسلم من الإغماء كالأمراض وعصم من الجنون، وهو كالنوم في فوت الاختيار وفوت استعمال القدرة حتى بطلت عباراته بل أشد منه؛ لأن النوم فترة أصلية، وإذا نبه انتبه والإغماء عارض لا يتنبه صاحبه إذا نبه فكان حدثا بكل حال؛ ولذا أطلقه في المختصر بخلاف النوم، فإنه لا يكون حدثا إلا إذا استرخت مفاصله غاية الاسترخاء فغلب الخروج حينئذ فأقيم السبب مقامه بخلافه في غير هذه الحالة، فإن الغالب فيها عدمه فلا يقام السبب مقامه فكان عدم النقض على أصل القياس الذي يقتضي أن غير الخارج لا ينقض، وبهذا اندفع ما وقع في كثير من الكتب من أن القياس أن يكون النوم حدثا في الأحوال كلها وقد نقل النووي في شرح المهذب الإجماع على ناقضيه: الإغماء والجنون يقال أغمي عليه، وهو مغمى عليه وغمي عليه فهو مغمي عليه ورجل غمى أي: مغمى عليه وكذا الاثنان والجمع والمؤنث وقد ثناه بعضهم وجمعه فقال رجلان أغميان ورجال أغماء وأما الجنون فهو زوال العقل ونقضه ظاهر باعتبار عدم مبالاته وتمييز الحدث من غيره وعلله بعض المشايخ بغلبة الاسترخاء ورد بأن المجنون قد يكون أقوى من الصحيح فالأولى ما قلناه كذا في العناية، وأما العته فلم أر من ذكره من النواقض ولا بد من بيان حقيقته وحكمه. أما الأول فهو آفة توجب الاختلال بالعقل بحيث يصير مختلط الكلام فاسد التدبير؛ لأنه لا يضرب ولا يشتم، وأما الثاني فقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال: ففي أصول فخر الإسلام وشمس الأئمة والمنار والمغني والتوضيح أنه كالصبي مع العقل في كل الأحكام فيوضع عنه الخطاب وفي التقويم لأبي زيد الدبوسي أن حكمه حكم الصبي مع العقل إلا في العبادات فإنا لم نسقط عنه الوجوب به احتياطا في وقت الخطاب ورده صدر الإسلام أبو اليسر بأنه نوع جنون فمنع الوجوب؛ لأنه لا يقف على العواقب وفي أصول البستي أن المعتوه ليس بمكلف بأداء العبادات كالصبي العاقل إلا أنه إذا زال العته توجه عليه الخطاب بالأداء حالا وبقضاء ما مضى إذا لم يكن فيه حرج كالقليل فقد صرح بأنه يقضي القليل دون الكثير وإن لم يكن مخاطبا فيما قبل كالنائم والمغمى عليه دون الصبي إذا بلغ، وهو أقرب إلى التحقيق كذا في شرح المغني للهندي وظاهر كلام الكل الاتفاق على صحة أدائه العبادات أما من جعله مكلفا بها فظاهر، وكذا من لم يجعله مكلفا؛ لأنه جعله كالصبي العاقل، وقد صرحوا بصحة عباداته فيفهم منه أن العته لا ينقض الوضوء والله سبحانه الموفق. (قوله: وسكر) أي وينقضه سكر وهو سرور يغلب على العقل بمباشرة بعض الأسباب الموجبة له فيمتنع الإنسان عن العمل بموجب عقله من غير أن يزيله؛ ولذا بقي أهلا للخطاب وقيل إنه يزيله وتكليفه مع زوال عقله بطريق الزجر عليه والتحقيق الأول لما ذكره الحكيم الترمذي في نوادره العقل في الرأس وشعاعه في الصدر والقلب فالقلب يهتدي بنوره لتدبير الأمور وتمييز الحسن من القبيح، فإذا شرب الخمر خلص أثرها إلى الصدر فحال بينه وبين نور العقل فيبقى الصدر مظلما فلم ينتفع القلب بنور العقل فسمي ذلك سكرا؛ لأنه سكر حاجز بينه وبين العقل وقد اختلف في حده هنا ففي الخلاصة والولوالجية والينابيع ونقله في المضمرات والتبيين عن صدر الإسلام وعزاه مسكين إلى شرح المبسوط أن حده هو حده في وجوب الحد، وهو من لا يعرف الرجل من المرأة وقال شمس الأئمة الحلواني: هو من حصل في مشيته اختلال وصححه في المجتبى وشرح الوقاية والمضمرات وشرح مسكين قالوا: وكذا الجواب في الحنث إذا حلف أنه ليس بسكران، وكان على الصفة التي قلنا يحنث في يمينه، وإن لم يكن بحال لا يعرف الرجل من المرأة وقد ذكر ابن وهبان في منظومته أن السكر يبطل الوضوء والصلاة، وهو محمول على أنه شرب المسكر فقام إلى الصلاة قبل أن يصير إلى هذه الحالة ثم صار في أثنائها إلى حالة لو مشى فيها يتحرك. (قوله: وقهقهة مصل بالغ) أي وينقضه قهقهة، وهي في اللغة معروفة، وهو أن يقول قه قه وقهقة بمعنى واصطلاحا ما يكون مسموعا له ولجيرانه بدت أسنانه أولا وظاهر كلام المصنف وجماعة أن القهقهة من الأحداث وقال بعضهم: إنها ليست حدثا، فإنما يجب الوضوء بها عقوبة وزجرا، وهو ظاهر كلام جماعة منهم القاضي أبو زيد الدبوسي في الأسرار، وهو موافق للقياس؛ لأنها ليست خارجا نجسا بل هي صوت كالبكاء والكلام وفائدة الخلاف أن من جعلها حدثا منع جواز مس المصحف معها كسائر الأحداث ومن أوجب الوضوء عقوبة جوز مس المصحف معها هكذا نقل الخلاف وفائدته في معراج الدراية وينبغي ترجيح الثاني لموافقته القياس وسلامته مما يقال من أنها ليست نجاسة ولا سببها وموافقة الأحاديث، فإنها على ما رووا ليس فيها إلا الأمر بإعادة الوضوء والصلاة ولا يلزم منه كونها من الأحداث؛ ولذا وقع الاختلاف في قهقهة النائم في الصلاة وصححوا في الأصول والفروع أنها لا تنقض الوضوء ولا تبطل الصلاة بناء على أنها إنما أوجبت إعادة الوضوء بطريق الزجر والعقوبة والنائم ليس من أهلها، وهذا يرجح ما ذكرناه لكن سوى فخر الإسلام بين كلام النائم وقهقهته في أن كلا منهما لا يبطل الصلاة والمذهب أن الكلام مفسد للصلاة كما صرح به في النوازل بأنه المختار فحينئذ تكون القهقهة من النائم مفسدة للصلاة لا الوضوء، وهو مختار ابن الهمام في تحريره؛ لأن جعلها حدثا للجناية ولا جناية من النائم فتبقى كلاما بلا قصد فيفسد كالساهي به ا هـ. وفي النصاب وعليه الفتوى وفي الولوالجية، وهو المختار وفي المبتغى تكلم النائم في الصلاة مفسد في الأصح بخلاف القهقهة ا هـ. ولا يخفى ما فيه، فإن القهقهة كلام على ما صرحوا به وفي المعراج أن قهقهة النائم تبطلهما وبه أخذ عامة المتأخرين احتياطا وكذا وقع الاختلاف في الناسي كونه في الصلاة فجزم الزيلعي بأنه لا فرق بين الناسي والعامد وذكر في المعراج أن في الساهي والناسي روايتين، ولعل وجه الرواية القائلة بعدم النقض أنه كالنائم إذا لا جناية إلا بالقصد ولا يخفى ترجيح الرواية القائلة بالنقض لما أن للصلاة حالة مذكرة لا يعذر بالنسيان فيها ألا ترى أن الكلام ناسيا مفسد لها بخلاف النوم ولا فرق بين كونه متوضئا أو متيمما واتفقوا على أنها لا تبطل الغسل واختلفوا هل تنقض الوضوء الذي في ضمن الغسل فعلى قول عامة المشايخ لا تنقض وصحح المتأخرون كقاضي خان النقض عقوبة له مع اتفاقهم على بطلان صلاته كما نبه عليه في المضمرات وفي قهقهة الباني في الطريق بعد الوضوء روايتان كذا في المعراج وجزم الزيلعي بالنقض قيل، وهو الأحوط ولا نزاع في بطلان صلاته قيد بقوله مصل احترازا عن غيره وأطلقها فانصرفت إلى ما لها ركوع وسجود أو ما يقوم مقامهما من الإيماء لعذر أو راكبا يومئ بالنفل أو بالفرض حيث يجوز فلا تنقض القهقهة في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة لكن يبطلان قيدنا بقولنا حيث يجوز؛ لأنه لو كان راكبا يومئ بالتطوع في المصر أو القرية قهقهة لا ينتقض وضوءه لعدم جواز صلاته عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف: ينتقض لصحة صلاته عنده، ولو نسي الباني المسح فقهقه قبل القيام إلى الصلاة نقض وبعده لا ينقض لبطلان الصلاة بالقيام إليها، وهو من مسائل الامتحان كذا في المعراج وأفاد إطلاقه أنها تنقض بعد القعود قدر التشهد خلافا لزفر، ولو عند السلام كذا في المبتغى أو في سجود السهو كذا في المحيط، ولو ضحك القوم بعدما أحدث الإمام متعمدا لا وضوء عليهم، وكذا بعدما تكلم الإمام وكذا بعد سلام الإمام هو الأصح كذا في الخلاصة، وقيل إذا قهقهوا بعد سلامه بطل وضوءهم، والخلاف مبني على أنه بعد سلام الإمام هل هو في الصلاة إلى أن يسلم بنفسه أو لا وفي البدائع إن قهقه الإمام والقوم معا أو قهقه القوم ثم الإمام بطلت طهارة الكل، وإن قهقه الإمام أولا ثم القوم انتقض وضوءه دونهم وفي فتح القدير، ولو قهقه بعد كلام الإمام متعمدا فسدت طهارته على الأصح على خلاف ما في الخلاصة بخلافه بعد حدثه عمدا ا هـ. ولم يبين الفرق بين كلام الإمام عمدا وحدثه عمدا والفرق بينهما أن الكلام قاطع للصلاة لا مفسد لها إذ لم يفوت شرط الصلاة، وهو الطهارة فلم يفسد به شيء من صلاة المأمومين، ولو مسبوقا فينقض وضوءهم بقهقهتهم بخلاف حدثه عمدا لتفويته الطهارة فأفسدت جزءا يلاقيه فيفسد من صلاة المأموم كذلك فقهقهتهم بعد ذلك تكون بعد الخروج من الصلاة فلا تنقض وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الحدث تحقيق الفرق بأبسط من هذا، ولو أن محدثا غسل بعض أعضاء الوضوء ففني الماء فتيمم وشرع في الصلاة فقهقه ثم وجد الماء عند أبي يوسف يغسل باقي الأعضاء ويصلي وعندهما يغسل جميعها بناء على أن القهقهة هل تبطل ما غسل من أعضاء الوضوء؟ عنده لا، وعندهما نعم كذا في الخلاصة وإذا كان شرع في صلاة فرض وبطل الوصف ثم قهقه من قال ببطلان الأصل لا تنتقض طهارته بالقهقهة ومن قال بعدمه انتقضت كما إذا تذكر فائتة والترتيب فرض أو دخل وقت العصر في الجمعة أو طلعت الشمس في الفجر، ومن اقتدى بإمام لا يصح اقتداؤه به ثم قهقه لا ينتقض وضوءه اتفاقا، وكذا من قهقه بعد بطلان صلاته، وكذا إذا قهقه بعد خروجه كما إذا سلم قبل الإمام بعد القعود ثم قهقه كذا في الخانية وقيد بالبلوغ؛ لأن قهقهة الصبي لا تنقض وضوءه لكن تبطل صلاته كذا في كثير من الكتب ونقل في السراج الوهاج الإجماع على عدم نقض وضوئه وفيه نظر فقد ذكر في معراج الدراية أن في المسألة ثلاثة أقوال: الأول: ما ذكرناه الثاني عن نجم الأئمة البخاري عن سلمة بن شداد أنها تنقض الوضوء دون الصلاة الثالث عن أبي القاسم أنها تبطلهما إلا أن يقال لما كان القولان الأخيران ضعيفين كانا كالعدم ووجه الأول أنها إنما أوجبت إعادة الوضوء عقوبة وزجرا والصبي ليس من أهلها والأثر ورد في صلاة كاملة فيقتصر عليها فلا تتعدى إلى صلاة الجنازة وسجدة التلاوة وصلاة الصبي وصلاة الباني بعد الوضوء على إحدى الروايتين وصلاة النائم على أحد القولين، وهذا كله مذهبنا وقالت الأئمة الثلاثة لا تنقض أصلا قياسا على عدم نقضها خارج الصلاة ولنا أن القياس ذلك لكن تركناه فيما إذا كانت القهقهة في ذات ركوع وسجود بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا ومسندا: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذ دخل رجل فتردى في حفرة، وكان في بصره ضرر فضحك كثير من القوم وهو في الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة» وتمامه في فتح القدير وما قيل بأنه لا يظن الضحك بالصحابة خلفه قهقهة أجيب عنه بأنه كان يصلي خلفه الصحابيون والمنافقون والأعراب الجهال فالضاحك لعله كان بعض الأحداث أو المنافقين أو بعض الأعراب لغلبة الجهل عليهم كما بال أعرابي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو نظير قوله تعالى: {وتركوك قائما}، فإنه لم يتركه كبار الصحابة باللهو قال في العناية، وهذا من باب حسن الظن بهم رضي الله عنهم، وإلا فليس الضحك كبيرة وهم ليسوا من الصغائر بمعصومين ولا عن الكبائر على تقدير كونه كبيرة ا هـ. والمنقول في الأصول أن الصحابة عدول فهم محفوظون من المعاصي وقيد بالقهقهة؛ لأن الضحك بفتح الضاد وكسر الحاء هذا أصله ويجوز إسكان الحاء مع فتح الضاد وكسرها فهي أربعة أوجه: كذا في شرح المهذب، وهو في اللغة أعم من القهقهة، وهي من أفراده وفي الاصطلاح ما كان مسموعا له فقط وحكمه أنه لا ينقض الوضوء بل يبطل الصلاة وأما التبسم، وهو ما لا صوت فيه أصلا بأن تبدو أسنانه فقط فحكمه أنه لا يبطلهما؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم تبسم في الصلاة حين أتاه جبريل عليه السلام وأخبره أن من صلى عليك مرة صلى الله عليه بها عشرا» كما في البدائع وقال جابر بن عبد الله: «ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم ولو في الصلاة» كما في النهاية والعناية وظاهر كلامهم أن التبسم في الصلاة غير مكروه؛ ولذا قال في الاختيار ولا حكم للتبسم وقد رأيت في كلام بعضهم أنه لو أتى بحرفين من القهقهة انتقض وضوءه عملا بعدم تبعيض الحدث؛ لأنه إذا وقع بعضه وقع كله قياسا لوقوعه على ارتفاعه بجامع أن كلا منهما لا يتبعض ا هـ. وقد يقال إن الحكم، وهو النقض معلق بالقهقهة فإذا وجد بعضها لا يوجد الحكم ولا بعضه لما عرف في الأصول أن المشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط فقوله؛ لأنه إذا وقع بعضه ممنوع كما لا يخفى. (قوله: ومباشرة فاحشة) يعني أن من النواقض الحكمية المباشرة الفاحشة، وهي أن يباشر امرأته متجردين ولاقى فرجه فرجها مع انتشار الآلة ولم ير بللا ولم يشترط بعضهم ملاقاة الفرج والظاهر الأول كذا ذكر الزيلعي لكن المنقول في البدائع أن في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف لم يشترط مماستهما وشرط ذلك في النوادر وذكره الكرخي أيضا ا هـ. فعلم أن ظاهر الرواية عدم الاشتراط، وكذا ذكر في الينابيع وقال وروى الحسن أنه يشترط، وهو أظهر ا هـ. فقول من قال الظاهر الاشتراط أراد من جهة الدراية لا الرواية وصحح الإسبيجابي اشتراطه بعد أن ذكر أن ظاهر الرواية عدمه والقياس أن لا يكون حدثا، وهو قول محمد؛ لأن السبب إنما يقام مقام المسبب في موضع لا يمكن الوقوف على المسبب من غير حرج والوقف على المسبب هنا ممكن بلا حرج؛ لأن الحال حال يقظة فلا حاجة إلى الإقامة وجه الاستحسان، وهو قولهما ما روي أن أبا اليسر بائع العسل «سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إني أصبت من امرأتي كل شيء إلا الجماع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وصل ركعتين» كذا في البدائع والله أعلم بصحة هذا الحديث؛ ولأنه يندر عدم مذي مع هذه الحالة والغالب كالمتحقق في مقام وجوب الاحتياط والأصل أن السبب الظاهر يقوم مقام الأمر الباطن وذلك بطريق قيام هذه المباشرة مقام خروج النجس كذا في المصفى وفي الحقائق شرح المنظومة معزيا إلى فتاوى العتابي روي عن أصحابنا أنه لا ينقض ما لم يظهر شيء هو الصحيح ولا يعتمد على هذا التصحيح فقد صرح في التحفة كما نقله شارح المنية أن الصحيح قولهما وهو المذكور في المتون وفي فتح القدير معزيا إلى القنية وكذا المباشرة بين الرجل والغلام، وكذا بين الرجلين توجب الوضوء عليهما، وفي شرح منية المصلي معزيا إليها أيضا أن الوضوء يجب على المرأة من المباشرة أيضا قال ولم أقف عليه إلا في القنية، وفيه تأمل، فإنهم لم يذكروا في مباشرة الرجل للمرأة على قولهما إلا على الرجل ا هـ. وقد يقال لا حاجة إلى التنصيص على الحكم في المرأة، فإن من المعلوم أن كل حكم ثبت للرجال ثبت للنساء؛ لأنهن شقائق الرجال إلا ما نص عليه قال في المستصفى الأصل في النساء أن لا يذكرن؛ لأن مبنى حالهن على الستر؛ ولهذا لم يذكرن في القرآن حتى شكون فنزل قوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} إلا إذا كان الحكم مخصوصا بهن كمسألة الصغيرة الآتية في الغسل. ا هـ. ولأنه قد وقع في كثير من عبارات علمائنا أن المباشرة الفاحشة تنقض الوضوء ولم يقيدوا بوضوء الرجل فكان وضوءها داخلا فيه كما لا يخفى. (قوله: لا خروج دودة من جرح) بالرفع عطف على خروج نجس أي لا ينقض الوضوء خروج دودة من جرح قيد به؛ لأن الدودة الخارجة من أحد السبيلين تنقض الوضوء والفرق بينهما من ثلاثة أوجه: الأول: أن الدودة لا تخلو عن قليل بلة تكون معها وتستصحبها وتلك البلة قليل نجاسة وقليل النجاسة إذا خرجت من أحد السبيلين انتقض الوضوء ومن غيرهما غير ناقضة. الثاني: أن الدودة حيوان، وهو طاهر في الأصل والشيء الطاهر إذا خرج من السبيلين نقض الوضوء كالريح بخلاف غير السبيلين كالدمع والعرق: الثالث: أن الدودة في الجرح متولدة من اللحم فصار كما لو انفصل قطعة من اللحم، فإنه لا ينقض، وأما في السبيلين تتولد من النجاسة فتكون في الخروج كالنجاسة الخارجة من أحدهما والخارج من السبيلين ناقض وقد قدمنا أنه لا فرق بين الدودة الخارجة من الدبر والقبل والذكر وبه يندفع ما ذكره صدر الشريعة أن الدودة من الإحليل لا تنقض وأن الدودة من القبل فيها اختلاف المشايخ وفي شرح مسكين معزيا إلى الذخيرة إن كان الماء يسيل من الجرح ينقض الوضوء ولا ينافيه ما في السراج الوهاج أنه لو دخل الماء في الجرح ثم خرج لا ينقض كما لا يخفى بأدنى تأمل. (قوله: ومس ذكر) بالرفع عطف على المنفي أي لا ينقض الوضوء مس الذكر وكذا مس الدبر والفرج مطلقا خلافا للشافعي، فإن المس لواحد من الثلاثة ناقض للوضوء إذا كان بباطن الأصابع واستدل النووي له في شرح المهذب بما روت بسرة بنت صفوان: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ»، وهو حديث حسن رواه مالك في الموطإ وأبو داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد صحيحة ولنا ما رواه الجماعة أصحاب السنن إلا ابن ماجه عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة فقال هل هو إلا بضعة منك» وقد رواه ابن حبان في صحيحه قال الترمذي: هذا الحديث أحسن شيء يروى في هذا الباب وأصح ورواه الطحاوي أيضا وقال هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ومتنه فهذا حديث صحيح معارض لحديث بسرة بنت صفوان ويرجح حديث طلق على حديث بسرة بأن حديث الرجال أقوى؛ لأنهم أحفظ للعلم وأضبط؛ ولهذا جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل وقد أسند الطحاوي إلى ابن المديني أنه قال حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة وعن عمرو بن علي الفلاس أنه قال حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة بنت صفوان وقول النووي في شرح المهذب إن حديث طلق اتفق الحفاظ على ضعفه لا يخفى ما فيه إذ قد علمت ما قاله الترمذي وغيره إن حديث بسرة ضعفه جماعة حتى قال يحيى بن معين ثلاثة أحاديث لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حديث مس الذكر وقول النووي أيضا ترجيحا لحديث بسرة بأن حديث طلق منسوخ؛ لأن قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم كان في السنة الأولى من الهجرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده وراوي حديث بسرة أبو هريرة، وإنما قدم أبو هريرة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة فغير لازم؛ لأن ورود طلق إذ ذاك ثم رجوعه لا ينفي عوده بعد ذلك وهم قد رووا عنه حديثا ضعيفا من مس ذكره فليتوضأ وقالوا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم الناسخ والمنسوخ؛ ولأن حديث طلق غير قابل للنسخ؛ لأنه صدر على سبيل التعليل فإنه عليه الصلاة والسلام ذكر أن الذكر قطعة لحم فلا تأثير لمسه في الانتقاض، وهذا المعنى لا يقبل النسخ كذا في معراج الدراية وقول النووي أيضا إن حديث طلق محمول على المس فوق حائل؛ لأنه قال سألته عن مس الذكر في الصلاة والظاهر أن الإنسان لا يمس ذكره في الصلاة بلا حائل مردود بأن تعليله صلى الله عليه وسلم بقوله: «هل هو إلا بضعة منك» يأبى الحمل والبضعة بفتح الموحدة القطعة من اللحم، وفي شرح الآثار للطحاوي لا نعلم أحدا من الصحابة أفتى بالوضوء من مس الذكر إلا ابن عمر وقد خالفه في ذلك أكثرهم وأسند عن ابن عيينة أنه عد جماعة لم يكونوا يعرفون الحديث يعني حديث بسرة ومن رأيناه يحدث عنهم سخرنا منه ومما يدل على انقطاع حديث بسرة باطنا أن أمر النواقض مما يحتاج الخاص والعام إليه وقد ثبت عن علي وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص أنهم لا يرون النقض، وإن روي عن غيرهم خلافه وفي السنن للدارقطني حدثنا محمد بن الحسن النقاش أخبرنا عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي أخبرنا رجاء بن مرجى الحافظ قال اجتمعنا في مسجد الحنيف أنا وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين فتناظرنا في مس الذكر فقال يحيى بن معين يتوضأ منه وقال علي بن المديني بقول الكوفيين وتقلد قولهم واحتج يحيى بن معين بحديث بسرة بنت صفوان واحتج علي بن المديني بحديث قيس بن طلق وقال ليحيى كيف تتقلد إسناد بسرة ومروان أرسل شرطيا حتى رد جوابها إليه وقال يحيى وقد أكثر الناس في قيس بن طلق ولا يحتج بحديثه فقال ابن حنبل كلا الأمرين على ما قلتما فقال يحيى حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه توضأ من مس الذكر فقال ابن المديني كان ابن مسعود يقول لا يتوضأ منه، وإنما هو بضعة من جسدك فقال يحيى عمن قال عن سفيان عن أبي قيس عن هذيل عن عبد الله، وإذا اجتمع ابن مسعود وابن عمر فابن مسعود أولى أن يتبع فقال ابن حنبل نعم ولكن أبو قيس لا يحتج بحديثه فقال حدثني أبو نعيم أخبرنا مسعر عن عمير بن سعيد عن عمار بن ياسر قال ما أبالي مسسته أو أنفي فقال ابن حنبل عمار وابن عمر استويا فمن شاء أخذ بهذا ومن شاء أخذ بهذا ا هـ. وإن سلكنا طريق الجمع جعل مس الذكر كناية عما يخرج منه، وهو من أسرار البلاغة يسكتون عن ذكر الشيء ويرمزون عليه بذكر ما هو من روادفه فلما كان مس الذكر غالبا يرادف خروج الحدث منه ويلازمه عبر به عنه كما عبر الله تعالى بالمجيء من الغائط عما يقصد لأجله ويحل فيه فيتطابق طريقا الكتاب والسنة في التعبير فيصار إلى هذا لدفع التعارض والله الموفق للصواب ويستحب لمن مس ذكره أن يغسل يده صرح به صاحب المبسوط، وهذا أحد ما حمل به حديث بسرة فقال أو المراد بالوضوء غسل اليد استحبابا كما في قوله الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم لكن في البدائع ما يفيد تقييد الاستحباب بما إذا كان الاستنجاء بالأحجار دون الماء، وهو حسن كما لا يخفى. (قوله: وامرأة) بالجر عطف على ذكر أي مس بشرة المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا سواء كان بشهوة أو لا وقال الشافعي: ينتقض وضوء اللامس مطلقا كان بشهوة وقصد أو لا وله في الملموس قولان أصحهما النقض إلا إذا لمس ذات رحم محرم أو صغيرة لا تشتهى فإنه لا ينقض على الأصح بخلاف العجوز فالصحيح النقض وهذه المسألة قد وقع الاختلاف فيها في الصدر الأول، وهو اختلاف معتبر حتى قال بعض مشايخنا ينبغي لمن يؤم أن يحتاط فيه فمذهب عمر وابن مسعود وعبد الله بن عمر وجماعة من التابعين كمذهب الشافعي ومذهب علي وابن عباس وجماعة من التابعين كمذهبنا استدل الشافعي بقوله تعالى: {أو لامستم النساء}، فإن اللمس يطلق على الجس باليد قال تعالى: {فلمسوه بأيديهم} وبقول أهل اللغة اللمس يكون باليد وبغيرها وقد يكون بالجماع فنعمل بمقتضى اللمس مطلقا فمتى التقت البشرتان انتقض سواء كان بيد أو جماع ولأئمتنا في الجواب عن هذا أوجه أحدها ما ذكره الأصوليون كفخر الإسلام البزدوي أن حقيقة اللمس يكون باليد وأن الجماع مجاز فيه لكن المجاز مراد بالإجماع حتى حل للجنب التيمم بالآية فبطلت الحقيقة؛ لأنه يستحيل اجتماعهما مرادين بلفظ واحد ثانيهما، وهو المذكور في بعض كتب الفقه أن اللمس إذا قرن بالمرأة كان حقيقة في الجماع يؤيده أن الملامسة مفاعلة من اللمس وذلك يكون بين اثنين فصاعدا وعندهم لا يشترط اللمس من الطرفين ثالثها أن اللمس مشترك بين اللمس باليد وبين الجماع ورجحنا الحمل على الجماع بالمعنى، وذلك أنه سبحانه وتعالى أفاض في بيان حكم الحدثين الأصغر والأكبر عند القدرة على الماء بقوله: {إذا قمتم إلى الصلاة} إلى قوله: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} فبين أنه الغسل ثم شرع في بيان الحال عند عدم القدرة عليه بقوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفر} إلى قوله: {فتيمموا صعيدا} إلخ فإذا حملت الآية على الجماع كان بيانا لحكم الحدثين الأصغر والأكبر عند عدم الماء كما بين حكمهما عند وجوده فيتم الغرض؛ لأن بالناس حاجة إلى بيانهما خلاف ما ذهبوا إليه من كونه باليد، فإنه يكون تكرارا محضا؛ لأنه قد علم الحدث الأصغر بقوله: {أو جاء أحد منكم من الغائط} ويدل عليه من السنة حديث عائشة الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول اللهم إني أعود برضاك من سخطك إلى آخر الدعاء وفي رواية للبيهقي بإسناد صحيح: «فالتمست بيدي فوقعت يدي على بطن قدميه وهما منصوبتان، وهو ساجد» وحديث عائشة أيضا في الصحيحين: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وهي معترضة بينه وبين القبلة فإذ أراد أن يسجد غمز رجلها فتقبضها» وفي رواية النسائي بإسناد صحيح: «فإذا أراد أن يوتر مسني برجله» وقول النووي في شرح المهذب أنه يحتمل كونه فوق حائل بعيد كما لا يخفى والله أعلم بالصواب. (قوله: وفرض الغسل غسل فمه وأنفه وبدنه) قد تقدم وجه تقديم الوضوء على الغسل والواو في قوله وفرض إما للاستئناف أو للعطف على قوله فرض الوضوء والفرض مصدر بمعنى المفروض لأن المصدر يذكر ويراد به الزمان والمكان والفاعل والمفعول كذا في الكشاف وقوله الغسل يعني غسل الجنابة والحيض والنفاس كذا في السراج الوهاج وظاهره أن المضمضة والاستنشاق ليستا شرطين في الغسل المسنون حتى يصح بدونهما. ثم اعلم أن الكلام في الغسل في مواضع في تفسيره لغة وشرعا وفي سببه وركنه وشرائطه وسننه وآدابه وصفته وحكمه أما تفسيره لغة فهو بالضم اسم من الاغتسال وهو تمام غسل الجسد واسم للماء الذي يغتسل به أيضا ومنه في حديث ميمونة فوضعت له غسلا كذا في المغرب وقال النووي أنه بفتح الغين وضمها لغتان والفتح أفصح وأشهر عند أهل اللغة والضم هو الذي تستعمله الفقهاء أو أكثرهم واصطلاحا هو المعنى الأول اللغوي وهو غسل البدن وقد تقدم تفسير الغسل بالفتح لغة وشرعا وأما ركنه فهو إسالة الماء على جميع ما يمكن إسالته عليه من البدن من غير حرج مرة واحدة حتى لو بقيت لمعة لم يصبها الماء لم يجز الغسل، وإن كانت يسيرة لقوله تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} أمر الله سبحانه وتعالى بالأطهر بضم الهاء؛ لأن أصله تطهر فأدغمت التاء في الطاء لقرب المخرج فجيء بحرف الوصل ليتوصل بها إلى النطق فصار اطهروا وبعض من لا خبرة له ولا دراية يقرأ بالاطهار وما ذاك إلا لحرمانه من العربية كذا في غاية البيان، وهو تطهير جميع البدن واسم البدن يقع على الظاهر والباطن إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه خارج عن قضية النص، وكذا ما يتعسر؛ لأن المتعسر منفي كالمتعذر كداخل العينين، فإن في غسلهما من الحرج ما لا يخفى فإن العين شحم لا تقبل الماء وقد كف بصر من تكلف له من الصحابة كابن عمر وابن عباس؛ ولهذا لا تغسل العين إذا اكتحل بكحل نجس؛ ولهذا وجبت المضمضة والاستنشاق في الغسل؛ لأنه لا حرج في غسلهما فشملهما نص الكتاب من غير معارض كما شملهما قوله صلى الله عليه وسلم: «تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة» رواه الترمذي من غير معارض والبشرة ظاهر الجلد بخلافهما في الوضوء؛ لأن الواجب فيه غسل الوجه ولا تقع المواجهة بداخلهما وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «عشر من الفطرة» وذكر منها المضمضة والاستنشاق لا يعارضه إذ كونهما من الفطرة لا ينفي الوجوب؛ لأنها الدين، وهو أعم منه قال صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة» والمراد أعلى الواجبات على ما هو أعلى الأقوال، وهو على هذا فلا حاجة إلى حمل المروي على حالة الحدث بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء» كأنه يعني ما عن أبي هريرة: «أنه صلى الله عليه وسلم جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة» لكن انعقد الإجماع على خروج اثنين منها، وهو ضعيف كذا في فتح القدير والمراد بأعلى الواجبات الإسلام لكن قال أبو نصر الدبوسي كما نقله عنه الحاوي الحصري لا يصح أن يقال إن المولود يولد على الإسلام؛ لأن من حكم بإسلامه مرة لم ينقل أبدا إلى غيره ولا يقر عليه بل معناه أنه يولد على الخلقة القابلة للإسلام بحيث إنه لو نظر إلى خلقته وتفكر فيها على حسب ما يجب لدلته على ربوبيته تعالى ووحدانيته، ولو شرب الماء عبا أجزأه عن المضمضة لا مصا وعن أبي يوسف لا إلا أن يمجه وفي الواقعات لا يخرج بالشرب على وجه السنة أو غيره ما لم يمجه، وهو أحوط كذا في الخلاصة وقد يقال إن الأحوط الخروج ووجه كونه أحوط أنه قيل إن المج من شرط المضمضة والصحيح أنها ليست بشرط فكان الاحتياط الخروج عن الجنابة؛ لأن الاحتياط العمل بأقوى الدليلين وأقواهما هنا الخروج بناء على الصحيح كما لا يخفى، ولو كان سنه مجوفا أو بين أسنانه طعام أو درن رطب يجزيه؛ لأن الماء لطيف يصل إلى كل موضع غالبا كذا في التجنيس ثم قال ذكر الصدر الشهيد حسام الدين في موضع آخر إذا كان في أسنانه كوات يبقى فيها الطعام لا يجزيه ما لم يخرجه ويجري الماء عليها، وفي فتاوى الفضلي والفقيه أبي الليث خلاف هذا فالاحتياط أن يفعل ا هـ. وفي معراج الدراية الأصح أنه يجزيه والدرن اليابس في الأنف كالخبز الممضوغ والعجين يمنع تمام الاغتسال، وكذا جلد السمك والوسخ والدرن لا يمنع والتراب والطين في الظفر لا يمنع؛ لأن الماء ينفد فيه وما على ظفر الصباغ يمنع وقيل لا يمنع للضرورة قال في المضمرات: وعليه الفتوى والصحيح أنه لا فرق بين القروي والمدني ا هـ. ولو بقي على جسده خرء برغوث أو ونيم ذباب أي ذرقه لم يصل الماء تحته جازت طهارته ويجب تحريك القرط والخاتم الضيقين، ولو لم يكن قرط فدخل الماء الثقب عند مروره أجزأه كالسرة، وإلا أدخله كذا في فتح القدير ولا يتكلف في إدخال شيء سوى الماء من خشب ونحوه كذا في شرح الوقاية ويدخل القلفة استحبابا على ما نبينه وتغسل فرجها الخارج وجوبا في الغسل وسنة في الوضوء كذا في المحيط؛ لأنه كالفم ولا تدخل أصابعها في قبلها وبه يفتى ولو كان في الإنسان قرحة فبرأت وارتفع قشرها وأطراف القرحة متصلة بالجلد إلا الطرف الذي كان يخرج منه القيح، فإنه يرتفع ولا يصل الماء إلى ما تحت القشرة أجزأه وضوءه، وفي معناه الغسل كذا في النوازل لأبي الليث ونقله الهندي أيضا، ويجوز للجنب أن يذكر اسم الله تعالى، ويأكل ويشرب إذا تمضمض هكذا قيد في فتح القدير وظاهره أنه لا يجوز له قبل المضمضة لكن ذكر في البزازية ما يفيد أن هذا على رواية نجاسة الماء المستعمل ولفظها ويحل للجنب شرب الماء قبل المضمضة على وجه السنة، وأن لا على وجهها لا؛ لأنه شارب الماء المستعمل، وأنه نجس ا هـ. فينبغي على الرواية المختارة المصححة المفتى بها من طهارة الماء المستعمل أن يباح الشرب مطلقا ويستفاد منه أن انفصال الماء عن العضو أعم من أن يكون إلى الباطن أو إلى الظاهر والمنقول في فتاوى قاضي خان الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب فالمستحب له أن يغسل يديه وفاه، وإن ترك لا بأس واختلفوا في الحائض قال بعضهم: هي والجنب سواء وقال بعضهم: لا يستحب هاهنا؛ لأن بالغسل لا تزول نجاسة الحيض عن الفم واليد بخلاف الجنابة ا هـ. فاحفظه وللجنب أن يعاود أهله قبل أن يغتسل إلا إذا احتلم، فإنه لا يأتي أهله ما لم يغتسل كذا في المبتغى وأقره عليه في فتح القدير وتعقبه في شرح منية المصلي بأن ظاهر الأحاديث فيه يفيد الاستحباب لا نفي الجواز المفاد من ظاهر كلامه، ويجوز نقل البلة في الغسل من عضو إلى عضو، إذا كان متقاطرا بخلاف الوضوء، ولا يضر ما انتضح من غسله في إنائه بخلاف ما لو قطر كله في الإناء وسيأتي تمامه في بحث الماء المستعمل إن شاء الله تعالى، وأما شرائطه فما تقدم من شرائط الوضوء، وأما حكمه فاستباحة ما لا يحل إلا به، وأما سننه وآدابه وصفته وسببه فستأتي مفصلة إن شاء الله تعالى ولا بأس بإيراد حديث مسلم بتمامه والتكلم على بعض معانيه روى مسلم بإسناده عن عائشة قالت قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم: «عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء قال مصعب أحد رواته ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة وانتقاص الماء» بالقاف والصاد المهملة الاستنجاء وقيل انتقاص البول بسبب استعمال الماء في غسل مذاكيره وقال الجمهور الانتضاح، وهو نضح الفرج بماء قليل لينفي عنه الوسواس فإذا أراه الشيطان ذلك أحاله على الماء وقد صرح بذلك مشايخنا في كتبهم لكن قالوا إن هذه الحيلة إنما تنفعه إذا كان العهد قريبا بحيث لم يجف البلل أما إذا كان بعيدا و جف البلل ثم رأى بللا يعيد الوضوء. والاستحداد حلق العانة سمي استحدادا لاستعمال الحديدة، وهي الموسى، وهو سنة والمراد بالعانة الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه إلى السرة وإعفاء اللحية توفيرها والبراجم بفتح الباء والجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها قال بعض العلماء: ويلتحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ فيزيله بالمسح وكذلك جميع الأوساخ، وأما الفطرة فقد تقدم من المحقق الكمال أنها الدين، وهو قول البعض وذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة، وهي في الأصل الخلقة وفي بعض هذه الخصال ما هو واجب عند بعض العلماء ولا يمتنع قرن الواجب بغيره كما قال الله تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده}، فإن الإيتاء واجب والأكل ليس بواجب كذا ذكر النووي ولا يخفى ما فيه، فإن العطف في الآية ليس نظير ما في الحديث، فإن الفطرة إذا فسرت بالسنة يقتضي أن جميع المعدود من السنة، فإنه إذا قيل جاء عشر من الرجال لا يجوز أن يكون فيهم من ليس منهم، فالأولى في الفطرة تفسيرها بالدين وقد تقدم معنى المضمضة والاستنشاق وأن المبالغة فيهما سنة في الوضوء، وكذلك في الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما» وهو حديث صحيح ذكره النووي والصارف له عن الوجوب الاتفاق على عدمه كما نقله السراج الهندي واعلم أن الحديث الذي ذكره في فتح القدير، وهو: (تحت كل شعرة جنابة) إلخ وإن رواه أبو داود والترمذي كما ذكره الهندي فقد ضعفه النووي ونقل ضعفه عن الشافعي ويحيى بن معين والبخاري وأبي داود وغيرهم والله أعلم. (قوله: لا دلكه) أي لا يفترض دلك بدنه في الغسل، وقد تقدم أنه إمرار اليد على الأعضاء المغسولة، فلو أفاض الماء فوصل إلى جميع بدنه، ولم يمسه بيده أجزأه غسله وكذا وضوءه قال النووي وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء واحتجا بأن الغسل هو إمرار اليد ولا يقال لواقف في المطر اغتسل ونقل في فتح القدير أنه رواية عن أبي يوسف أيضا قال وكأن وجهه خصوص صيغة اطهروا، فإن فعل للتكثير إما في الفعل نحو حولت وطوفت أو في الفاعل نحو موت الإبل أو في المفعول نحو: {وغلقت الأبواب} والثاني يستدعي كثرة الفاعل فلا يقال في شاة واحدة موت والثالث كثرة المفعول فلا يقال في باب واحد غلقته. وإن غلقه مرارا كما قيل فتعين كثرة الفعل، وهو بالدلك ا هـ. ولم يجب عنه والذي ذكره الشارحون هنا أن المأمور به في النص هو التطهير، ولا يتوقف ذلك على الدلك فمن شرطه فقد زاد في النص، وهو نسخ وذكر النووي أنه يحتج «بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك» ولم يأمره بزيادة، وهو حديث صحيح وقولهم لا تسمى الإفاضة غسلا ممنوع ا هـ. وأما قوله في فتح القدير إن فعل للتكثير إلى قوله فتعين كثرة الفعل قد يقال إن صيغة اطهروا يجوز أن تكون من قبيل التكثير في المفعول وقوله إن التكثير في المفعول يستدعي كثرة المفعول مسلم فيما إذا كان الفعل لا تكثير فيه كموت الإبل أما إذا كان في الفعل تكثير فيجوز أن يكون فعل للتكثير في المفعول، وإن كان الفاعل والمفعول واحدا كقطعت الثوب، فإن التكثير فيه للتكثير في الفعل، وإن كان المفعول واحدا وطهر من هذا القبيل؛ لأنك تقول طهرت البدن يشهد لهذا ما ذكره المحقق العلامة أحمد الجاربردي في شرح الشافية للمحقق ابن الحاجب في التصريف بما لفظه قوله وفعل للتكثير، وهو إما في الفعل نحو حولت وطوفت أو في الفاعل نحو موت الإبل أو في المفعول نحو غلقت الأبواب فإن فقد ذلك لم يسغ استعماله فلذلك كان موت الشاة لشاة واحدة خطأ؛ لأن هذا الفعل لا يستقيم تكثيره بالنسبة إلى الشاة إذ لا يستقيم تكثيرها وهي واحدة وليس ثم مفعول ليكون التكثير له وينبغي أن يعلم أن هذا بخلاف قولك قطعت الثوب، فإن ذلك سائغ، وإن كان الفاعل واحدا ذكره المصنف في شرح المفصل ثم قال فيه إن قوله في المفصل ولا يقال للواحد لم يرد به إلا ما لم يستقم فيه تكثير الفعل ا هـ. (قوله: وإدخال الماء داخل الجلدة للأقلف) أي لا يجب على الذي لم يختتن أن يدخل الماء داخل الجلدة في غسله من الجنابة وغيرها للحرج الحاصل لو قلنا بالوجوب لا لكونه خلقة كقصبة الذكر وهذا هو الصحيح المعتمد وبه يندفع ما ذكره الزيلعي من أنه مشكل؛ لأنه إذا وصل البول إلى القلفة انتقض وضوءه فجعلوه كالخارج في هذا الحكم، وفي حق الغسل كالداخل حتى لا يجب إيصال الماء إليه، وقال الكردي: يجب إيصال الماء إليه عند بعض المشايخ، وهو الصحيح فعلى هذا لا إشكال فيه. ا هـ. فإن هذا الإشكال إنما نشأ من تعليله لعدم الوجوب بأنه خلقة كقصبة الذكر، وأما على ما عللنا به تبعا لفتح القدير فلا إشكال فيه أصلا لكن في البدائع أنه لا حرج في إيصال الماء إلى داخل القلفة وصحح أنه لا بد من الإدخال واختاره صاحب الهداية في مختارات النوازل وقد تقدم أن إدخال الماء داخلها مستحب كما أن الدلك مستحب لكن قيده في منية المصلي بكونه في المرة الأولى، ولعله لكونها سابقة في الوجود على ما بعدها فهي بالدلك أولى؛ لأن السبق من أسباب الترجيح.
|